يتمنى الآباء عادة تربية أبنائهم تربية سليمة، ولكن -وعن غير قصد- يقعوا أحيانا في بعض الأخطاء التي قد تعطي نتائج سلبية مما يؤدي لسوء سلوكهم بدلاً من إصلاحه، ولذلك فعلى كل أم وأب أن يتجنبا تلك الأخطاء ومحاولة تفاديها قدر المستطاع..
د.محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر والحاصل علي جائزة الدولة في الطب النفسي يوضح تلك الأخطاء التى من شأنها أن تؤدى إلى مشكلات نفسية عديدة للأبناء ويقول: يعد الصراع على السلطة بين الوالدين، أولى تلك الأخطاء، فكل منهما يود أن يكون هو قائد الأسرة وصاحب الكلمة الفاصلة، وهذا الصراع يفقد الطفل الشعور بالأمان، لذا يجب وقف هذا الصراع والإتفاق على حل يرضي الوالدين، كما يجب أيضا التخلي عن الإنقسام إلى مجموعتين داخل الأسرة، حيث يكون الأب وبعض الأبناء في جانب والأم مع بعض الأبناء في الجانب الآخر، فذلك يجعل بين أفراد الأسرة عداوة ويهدم المودة والرحمة، وأيضا تجنب أسلوب إكتساب الأطفال على حساب الطرف الآخر، فالأم مثلا تكون متشددة فيتساهل الأب ليكسب الأطفال في طرفه أو العكس، وذلك يعطي للأبناء نموذجا للأنانية والنفاق والإنتهازية وكلها صفات سيئة، ثم نجد الخلاف في الأوامر الموجهة للأبناء، حيث يقول الأب شيئا وتقول الأم شيئا مناقضا، مما يربك الأبناء ويجعلهم يضربون عرض الحائط بكلام الوالدين ويفعلون ما يحلو لهم، وأيضا الإهتمام بالطفل الصغير على حساب الأكبر، وهو ما يجعله يندم أنه كبير ويتمنى أن يعود صغيرا لينال الإهتمام، ويظهر ذلك في تصرفات كالأطفال وأعراض مرضية مثل التبول اللاإرادي والتهتهة وتدهور المستوى الدراسي.
ويحذر د.حموده من كثرة إنتقاد الطفل والتركيز على الجوانب السلبية فى شخصيته فقط دون ذكر إيجابياته وإظهار الرضا عنه، وهو ما يدمر ثقة الطفل بنفسه ويجعله كارها لنفسه ولوجوده في الحياة، فيصاب بالإكتئاب أو يزداد سوءا وإضطرابا كنوع من اليأس، أي أنه لا فائدة.. وعادة يكون مبرر الآباء في ذلك -أنا عايز ابني أحسن واحد في الدنيا، وعايزه صح في كل حاجة- وتكون النتيجة تدمير الطفل كمن يخاف على شئ قيم فيضغط عليه بشدة فيكسره.
كما يجب تجنب أسلوب العدائية تجاه الطفل والتعامل معه بعنف وإيذاءه بدنيا ونفسيا، لأن هذا يدمره ويحدث شروخا في الشخصية لا يمكن إصلاحها بعد ذلك.
ومن جانب أخر نجد بعض الآباء يتبعون مع الطفل أسلوب السخرية وجعله أضحوكة وذلك كنوع من الدعابة، وهذا يقلل من شأنه ويجعله يشعر بالنقص مما يقلل ثقته بنفسه، ويقلل إعتبار الذات لديه، بل وقد يشعر بالشك في تكامله الجسدي، فيشكو أعراضا جسمانية، وقد يخجل من جسمه أو جنسه فيرفضه.
كذلك إتخاذ الآباء أسلوب المقارنة بالآخرين مع الأبناء بهدف إستثارة حماسهم ودفعهم للتفوق، وهذا يستثير غيرة الطفل ممن يقارن به، وله تأثير سيئ جدا عليه حيث يشعره أنه ليس محبوبا وأن المرغوب هو الشخص الآخر الذي يقارن به، وبالتالي يكره نفسه ويفقد الرضا عنها ويصاب بالتعاسة، وفي نفس الوقت يقلل من إعتباره لذاته، كما تتلاشى ثقته بنفسه ويقل شعوره بالكفاءة، إضافة إلى أنه سوف يكره من يقارن به ويشعر أنه أقل منه، وكثيرا ما تكون المقارنة بين الإخوة هي سبب كراهية بعضهم لبعض.
ولا ننسى أن الحماية الزائدة -المفرطة- وعدم تنمية الإعتمادية فى شخصية الطفل هو ما يجعله معتمدا على غيره غير واثق في نفسه لأنه لم يعتد فعل أي شئ بنفسه، ولذا يشعر دوما بالعجز وعدم الكفاءة فيلجأ لآخر يعتمد عليه، وقد يلجأ لمادة مخدرة يعتمد عليها ويصبح مدمنا بسبب تعود الإعتمادية وعدم تنمية ثقته بنفسه من خلال تشجيعه على تحمل بعض المسئوليات التي تناسب سنه.
ويشير أستاذ الطب النفسي إلى خطأ كبير يقع فيه الآباء وهو التذبذب في المعاملة والتناقض من الحنان المفرط والتدليل إلى القسوة المفرطة أو الشدة المفرطة والتسيب الشديد، الأمر الذي يربك الطفل ولا يستقيم بنيانه الداخلي، حيث يحتار فيما يطلب منه كسلوك يرضي من حوله، لذلك لابد من التوسط، فخير الأمور الوسط، كما أن إهمال الأم بصفة خاصة لطفلها فى الصغر يرسخ لديه عدم الثقة في الآخر فيشك دوما في مصداقية الآخرين، وقد يصاب بالشك والإضطهاد في الكبر كأحد رواسب الطفولة، فيشك فيمن يحيطون به ويصبح عديم الثقة في الآخر، فينعزل ويسقط على الآخر عيوبه، أو يكون عدوانيا تجاه الآخرين كنوع من الدفاع المسبق، فيطبق الهجوم خير وسيلة للدفاع، وغالبا ما يكون ذلك بشراسة.
ومن الأفضل عدم التفرقة في المعاملة بين الإخوة، وغالبا ما يكون السبب هو ما يقوله الآباء أن أحد الأطفال يشبه والده -أو والدته- الذي كان يحبه ولذا فهو يفضله، أو أنه كان طوال عمره يتمنى أن يكون لديه بنتا ولذا فهو يحبها ويدللها على حساب إخوتها، أو الأم التي وضعت ولدا بعد عدد من الإناث فجعلت منه ملكا متوجا على حساب إخوته البنات وحتى الذكور الذين يأتون بعده، وتكون النتيجة كراهية الإخوة لهذا الابن المدلل من الوالدين على حسابهم وغالبا ما يسيئون إليه ويرفضونه وقد يؤذونه، كما أن عدم إعطاء وقت كافي من الآباء لأبنائهم له تأثير سيء جدا عليهم، سواء كان ذلك بسبب ظروف العمل أو فقد الإهتمام بهم، مما يصعب التفاهم بينهم وبين الأبناء، فنحن في تعاملنا مع أبنائنا نبني على ما لدينا من رصيد عندهم من الحب والتعاطف، وبدون هذا الرصيد لا يستجيب الأطفال ويعاندون ويتمردون ويسيئون التصرف.
الكاتب: ريهام عبد السميع.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.